لماذا لا يترك تامر حسني السينما لأهلها ويتفرغ للغناء للمراهقات؟
لست أدري بالضبط ما هو الهدف الذي يسعي إليه المغني الشاب تامر حسني؟هل يرغب أن يكون نجما سينمائيا أم مطربا شعبيا تعشقه المراهقات.. أم بطلاً لأفلام الحركة يطارد وينقض ويحارب، أم بطلاً لكمال الأجسام يظهر عضلاته كلما سنحت له الفرصة، أم إنساناً يحمل القلب الكبير ويعتني بأخته المريضة ويدافع عنها حتي الثمالة، أم حبيب الأطفال الذين يعشقونه ويلتفون حوله، أم كل هؤلاء مرة واحدة كما ظهر ذلك في فيلمه الأخير «كابتن هيما»، الذي أخرجه نصر محروس في أول فيلم روائي طويل يخرجه، وكتبه كاتب سيناريو شاب كنا ننتظر منه الكثير هو أحمد عبدالفتاح.القصة التي يبدو أنها فكرة لتامر حسني «موهبة أخري ضمن مواهبه المتعددة التي لا تحصي» حاول السيناريست الشاب أن يعطيها معني أو خلفية أو اتجاهاً.. ولكنه عجز عن ذلك واظنه سيظل عاجزا حتي لو زادت خبرته عشرات السنين لأن القصة مختلط من كل شيء.وفي كل شيء هذا يغيب المنطق تماما ولا نري إلا ما يريد تامر حسني أن يراه لنفسه أو يحلم بأن يكونه.إنه في الفيلم سائق لسيارة باص مدرسية تحمل الأطفال من بيوتهم إلي مدرستهم، ولكنه رغم هذه المهنة ذات الطابع الإنساني فإن الفيلم يؤكد من خلال الحوار أنه خريج جامعي، وأنه اضطر للعمل سائقا رغبة منه في إعالة أخته المريضة، التي أصبح عائلها الوحيد بعد موت الأبوين في حادث.ولكن «هيما» رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة يرتدي طوال الفيلم أغلي الثياب وأكثرها شياكة، لأنه تامر حسني قبل أن يكون كابتن «هيما» ولا يصح لتامر حسني أن يظهر بثياب رخيصة أمام معجباته حتي لو اضطر الأمر إلي ليّ عنق المنتج.الضربة القاضيةوهو من خلال عمله يتعلق بالمدرسة الجميلة «زينة» التي يطاردها رجل ثري فاسد هو «أحمد زاهر» ولكن قلب المدرسة يميل طبعا إلي تامر حسني، رغم خشونته في التعامل .. والتي يصر عليها البطل لكي تعوضه عن هنات فيزيولوجية أخري تقف حائلا في وجهه، كما يلعب أدوار «فارس الأحلام»، ولكن رغم ذلك يبقي تامر حسني في كثير من مشاهد الفيلم بطلا ضرغاماً ينافس أحمد السقا ويتغلب علي خصومه دائما بالضربة القاضية.نحن إذن أمام الحدوتة التقليدية الفتاة البورجوازية الحائرة بين الحبيب الفقير رغم أن الفيلم لا يحاول أبدا التأكيد علي فقره فهو يعيش في منزل أنيق مرفه وغرفه نومه مليئة بالأشياء الصغيرة الثمينة وتزينها لوحة كبيرة لأحمد عدوية !! وبين الخطيب الثري الفاسد الذي يقوم بعمليات قذرة تعينه فيها عصابة من البودي جارد الأقوياء، وتسانده سلطات عليا لا نراها، أي أننا أمام شخصيات رأينا مثلها عشرات المرات في عشرات من الأفلام، وبطريقة أكثر إقناعا وأكثر منطقية وسلاسة.ويسير بنا الفيلم مع قصة الحب التي تشتد نيرانها وتسمح لنا بسماع أغنية أو أكثر في أجواء الطبيعة.. تصلح حتما لأن تكون فيديو كليبات مستقلة يستغلها المنتج بمعرفته، ولكن الخصم الثري الذي لا يقبل الهزيمة يحاول قهر الفتي الطموح الذي يعبده الأطفال الصغار، ويحبه جيرانه، ويثير المحبة والحب في أي مكان يذهب إليه، لذلك يدبر له خصمه مجموعة من المكائد تفشل كلها لتنتهي أخيرا باتهامه، بجريمة قتل إحدي الغانيات «والتي سيظهر فيما بعد أنها عشيقة هذا الرجل الثري وأنه هو الذي قتلها ودبر مؤامرة لإلصاق التهمة بهيما النبيل».ولكن علي الباغي تدور الدوائر ولابد أن تنكشف الحقيقة وأن يأخذ هيما بحقه كاملا قبل أن يجيء البوليس للقبض علي الثري الفاسد الذي انكشف أمره.كل ذلك يدور من خلال مرض الأخت ثم محاولة خطفها والاعتداء عليها من قبل الثري الفاسد .. وهيما البطل ينقذها في آخر لحظة .. كما يسامح حبيبته التي تسببت في القبض عليه دون قصد، وقبل ذلك نجح في إنقاذ أتوبيس الأطفال من السقوط بسبب فساد الكابح حتي يذكرنا بفيلم «سبيد» الشهير، وهذه المرة يحاول تامر حسني أن يكون صورة أخري للنجم الأمريكي الشهير الذي لعب الدور.أكثر من وجهفي«كابتن هيما» صور متعددة أرادها تامر حسني لنفسه فهو البطل والمنقذ وحبيب الأطفال وراعي أخته المريضة، وهو العاشق المعشوق يرقص ويغني وينظر بإغراء ويستعرض عضلات جسمه الصغير، ويطيل لحيته دون أن يحلقها تأكيدا آخر لرجولته.ويحلم بمواقف عاطفية تجمع بينه وبين الأستاذة الشابة ، لكي تكون موضوعا لفيديو كليب مستقل ولا يعبأ بأي منطق يخالف منطقه هو وما يريده لنفسه.وكأن سياسة محمد سعد أصبحت هي السياسة السائدة لدي معظم أبطالنا الشبان من مغنيين وممثلين كوميديين، دون أن يعبأ أحد منهم بشيء اسمه سيناريو وشيء آخر اسمه إخراج.ولا أدري حقا كيف استجاب نصر محروس في أول فيلم روائي طويل له إلي رغبات ممثله الأول .. بهذا الشكل الاعتباطي وكيف وافق السيناريست الشاب أحمد عبدالفتاح .. أن يتنازل عن خياله وإبداعه.. ليحقق رغبات النجم الصغير، كابتن هيما هو تامر حسني من الألف حتي الياء، تامر عاشق وبطل ومنقذ وشهم ونبيل يقف مدافعا عن الفضيلة والقيم والاحساس والمسئولية العائلية وكرامة الحبيب الذي لا يقبل الإهانة.إنه يضحك ويرقص ويداعب ويمثل ويغضب ويغني ويلقي علي المتفرج نظرات عميقة يحاول فيها أن يستغل الشبه بينه وبين النجم هاني سلامة، والذي استغله بذكاء سعد هنداوي في فيلمه الجميل «حالة حب» الذي كشف لنا عن موهبة أحمد عبدالفتاح. وحيث جعل هنداوي من سلامة وحسني شقيقين تبعد بينهما الأقدار.أتوبيس بلا فراملتامر حسني في «كابتن هيما» بقي وحده في الميدان ليس وراه مخرج متميز كهنداوي يعرف كيف يضعه في مكانه الصحيح وكيف يستغل مواهبه المتناثرة فيجمعها في إطار واحد متين.إنه في كابتن هيما تماما كبطل الفيلم يقود «باص» صغيرا دون فرامل ولكن دون أن يجد تلا من الرمال يوقفه أو يحميه من الانزلاق.والفيلم كعادة أفلام كوميديا، هذا الزمن مليء بالإفيهات التي لا معني لها كحوار هيما مع أخته المراهقة التي بدأت تحس ببوادر الأنوثة أو موقفه من الطفل الذي بال علي نفسه .. وأصبح اضحوكة زملائه والذي عرف أنه يتيم الأب فيأخذه بحنو إلي باب بيته المغلق.ولكنه يسمع آهات جنسية عالية تنطلق من خلف الباب فيسأل الطفل ببراءة مفتعلة «هل تقول إن أباك ميت» ثم نكتشف بعد ذلك أن الآهات هي آهات الم حقيقي تطلقها الأم من داء ألم بها.وكثير من المقاطع والمشاهد الأخري التي بدت ملصقة بفيلم مكون من قطع متناثرة لا انسجام بينها فلا هو فيلم غنائي ولا هو فيلم عاطفي ولا هو فيلم بوليسي ولا فيلم كوميدي.. إنه قطع منفصلة من كل هذا لا يجمعها إلا كون تامر حسني يقف في منتصفها جامعا بين اصابعه خيوطها.إذا كان تامر حسني واثقا من حب المراهقات لغنائه وأسلوبه في الغناء.. فلماذا لا يختصر الأمر ويقدم لنا فيلما يغني فيه لمعجبيه وأن يترك السينما لأبطالها وأهلها؟